+++++++++++++++++++++++++++++++++ فتاة حاقدة: December 2006

Sunday, December 24, 2006

كلمات غير موزونة لأرض افقدتنا الإتزان

كلمات غير موزونة
لأرض أفقدتنا الإتزان

المذ ّ كرة الأولى:

إنفجري يا خارطة العالم المنهار
انسفي التضاريس الملكيّة, وحّطمي كراسي الكارتون المستورد
إفتحي أبواب المحتشدات والسجون
دعي الجموع الجائعة تشبع
ودعي الفقراء يملأون جيوبهم شمسًا
ابعدي العملاء عن مسيرة المتمردين
فأقدام الاقزام لم تخلق لتواكب الثوّار
طويلة ليالي هذه المواسم
مظلمة ساعات هذه الأيام
ونحن لسنا بالأموات ولسنا بالأحياء
الموت والحياة تآمر علينا
تحركي واجعلينا نموت أو نحيّ بزلزال
انسفي الحدود والجمارك, ولتحرق تأشيرات الدخول والخروج
فنحن حولك
نطوّقك بإسم الذين جاؤوا من عندك لاجئين
وبإسم الذين يعودون إليك شهداء أو فدائيين
بإسم رفيق نسفت روحه داخل سيارة
بإسم رفيق وصله الموت في هدية
وآخر في غرفة نومه ببيروت
من أجل الهمشري وبن بركة.. وغسان.. وكمال ناصر.
نحن نلتف حولك
ننبت على صدرك مع كروم الخليل وتمور العراق وقطن مصر ..
والرفض معنا باق
بقاء نهر بردى وجبال الاوراس وصحراء سيناء.. وخليجنا.
نحن هنا
الكثير مّنا موزّع بين أقبية الموت المنسيّة والمحاكم العسكريّة
أبطالنا لا يصلون السجون لأنهم يموتون في غرف التعذيب
ولكن ثورتنا لن تهدأ
ونهر الأردن لن يستريح
حين أصبحت رائحة الأرض عطرنا المفضل
أصبح لون التراب أجمل من لون العيون
وأصبحت كل الطرق تؤدّي إليك

احلام مستغانمى

Friday, December 22, 2006

المقالات التى لدى من كتاب الشيطان يحكم انتهت
لو لقيت الباقى هبقى احطهم

الشيطان يحكم)... إنذار)

إنذار

اربطوا الأحزمة على المقاعد.
هذه العبارة التي تظهر بالنور الأحمر في كل طائرة كلما بدأت في الهبوط أو الارتفاع منذرة بأن تغييرا خطيرا يقع.. أشعر الآن بأن مثل هذه العبارة تظهر في عربة الحضارة التي نركبها جميعا نحن الجنس البشري في هذا الزمان منذرة بالهبوط إلى مرحلة أسفل..
أسمع هذا النذير.. بأننا يجب أن نربط الأحزمة على المقاعد.. ليس لأننا نرتفع.. و إنما لأننا نهبط.. و نهبط.. و نتدهور.
المذابح في فيتنام.. القتل الجماعي في نيجيريا.. أنهار الدم في أنجولا.. قتال العراق و إيران و حرق اللاجئين في الأردن.. الحرب الأهلية في لبنان.. تفجير القنابل الهيدروجينية تحت الأرض و تحت البحر.. و إطلاق صواريخ مدارية تحمل الموت في أحزمة حول الأرض.
في الشرق و الغرب يخرج الوحش البشري مخالبه و يلوح بأنيابه.. لم يعد يستحي و لم يعد يخجل.. لم يعد يلجأ إلى أسلوب الديبلوماسي المهذب الذي يتكلم باسم الحرية و الديموقراطية و تحرير الشعوب من الاستغلال و الاستعباد..
لم يعد يرفع راية السلام و يردد الشعارات النظرية البراقة و يسوق المنطق الفلسفي المحكم.. و إنما كشف النقاب فجأة عن حقيقته.. فإذا بنا أمام دول كبرى تريد أن تسود.. و قوى تتصارع على السلطة لا غير..
المعسكر الشيوعي خرج منه عملاقان يبادلان بعضهما العداوة أكثر مما يبادلان عدوهما المشترك الرأسمالية.. مناقضين بذلك منطوق الشيوعية ذاتها و كأنه مجرد حبر على ورق.. لم يعد التاريخ يحركه صراع الطبقات، فها هنا معسكران هائلان.. بروليتاريا.. و بروليتاريا و كلاهما يتصارعان.
و الرأسمالية بدورها بدأت تمارس علنا أبشع جريمة في التاريخ على أرض فيتنام و الصهيونية كشفت عن وجهها في لبنان.. و الشيوعية في أفغانستان.
و الأساطيل راحت تذرع البحار تستعرض عضلاتها.
و الطائرات انطلقت تزمجر في الجو و تتنافس في بث الرعب.
و الأقمار الصناعية راحت تتسابق في التجسس.
و الصواريخ.. كل صاروخ يقول للآخر.. أنا أطول منك مدى.
القوة.. القوة.. القوة..
الحضارة المادية انتهت إلى تسخير العلم لصناعة القوة.. لابتكار وسائل الموت.. المجاعة و نقص التغذية و الفاقة تفترس قارات.. و الملايين ترصد للسلاح.. و فائض القمح يلقى في البحر ليرتفع سعره.
لقد أفلست الحضارة المادية. و إن أعلن إفلاسها.. و أشعر بأن عربة الحضارة تهبط بنا إلى أسفل و أسفل و أسفل..
و إن علينا أن نربط الأحزمة على المقاعد استعدادا للخطر الماحق.
و علينا أن نواجه أنفسنا بالحقيقة و نكف عن ترويج الأكاذيب و نكف عن التشدق بحريات لا وجود لها.
فقد عادت عصور المرتزقة و الإنكشارية.
و هناك ألوف يقبضون مرتباتهم لأنهم يقتلون تحت أي راية.
و الجاسوسية تحولت إلى فن.. (( كيف تكون جاسوسا مزدوجا )) تتجسس لأمتك و ضدها و تعمل بذمتين و لحساب من يدفع أكثر.
و المذاهب تحولت إلى ذرائع للسلطة و للاستهلاك الصحفي و تبرير تحكم الأقوياء في الضعفاء، و ظلم الأقوياء للضعفاء، و استبداد الأقوياء بالضعفاء..؟
و هذا إعلان إفلاس حقيقي.
لقد عجزت الفلسفة المادية أن تصنع إنسانا و إن كانت قد صنعت قنبلة، و نحن ماضون إلى سقوط محقق إن لم نبادر إلى تغيير دفة المركبة الحضارية كلها في اتجاه آخر. هذه المرة ليس نحو فلسفة مادية.. و لكن نحو فلسفة تعترف للإنسان بروح و ذات خلقها الله حرة جديرة بالخلود.

العودة إلى فلسفة روحية تأخذ من العلم كل ما يعطيه و تضيف عليه من خصبها.
و من أين تخرج مثل هذه الفلسفة إلا من الشرق!!
فهل يعود الإلهام فينبع مرة أخرى و هل تشرق شمس جديدة و هل يسود السلام و الإسلام أم أننا نهبط إلى هوة النهاية؟.

د\ مصطفى محمود

Monday, December 18, 2006

الشيطان يحكم)... الرد على التساؤلات)

الرد على التساؤلات

تصلني أحيانا من القراء تعليقات جادة و تساؤلات حول مقالاتي الأخيرة.. و البعض يلتقط عبارات من كتب قديمة صدرت لي منذ عشرين عاما محاولا أن يشهد الناس.. كيف كنت ملحدا ثم أصبحت مؤمنا.. ياله من تناقض و جريمة لا تغتفر لمفكر..
و يبدو أن المفكر الأمثل عندهم هو قطعة رخام لا تنتقل من مكانها، أو مستنقع أسن لا يتجدد ماؤه، أو حياة خاملة راكدة آلية لا تتطور.
و يتصور الواحد منهم الفضيلة و الذمة في أن يكتشف الكاتب خطأه فلا يصححه و لا يرجع عنه.
و يتصور الكمال في العجرفة الفكرية و الجمود و التعصب و الثبات و لو على الخطأ ( طالما أن هذا الخطأ في صالحهم).
و لو كنت مؤمنا تحولت إلى الإلحاد لأخذوني بالأحضان، و لقالوا هذا هو المفكر الشريف بحق.. هذا هو رائد النقد الذاتي.
و لكن لمّا كان نقدنا لذواتنا على غير هواهم أصابهم عمى الألوان فرأوا الأبيض أسود، و رأوا الفضيلة رذيلة، و الذمة خيانة.
و لقد حارب خالد بن الوليد ضد الإسلام بشراسة و أنزل الهزيمة بالمسلمين في أحد.. ثم آمن و حمل لواء الدعوة و أصبح سيف الله المسلول، فلم يقل أحد إنه رجل متناقض بلا مبدأ.
و حارب عمر بن الخطاب الدعوة الإسلامية في بدايتها بضراوة ثم اعتنق نفس الدين الذي سبه و سفهه و حاربه.. فلم يشكك أحد في إيمانه و لا في صدقه و لا في ذمته.
و الإنسان في شبابه مندفع بطبيعته، يؤمن بالساذج البسيط، الواضح الملموس أمامه، و لهذا فهو يستريح إلى المادية و الفكر المادي، لأنها لا تطالبه بشيء غير الموجود أمامه، فهي تبدأ من القريب المحسوس و لا تتجاوزه، و لا تجهد الذهن استخلاصا للحكمة من ورائه.. بل إنها لا تعتقد في وجود حكمة.. لا شيء سوى المادة التي تتطور تلقائيا بقوانينها الجدلية الخاصة.
و المفكر المادي لا يحاول حتى أن يسأل نفسه من الذي وضع في المادة قوانينها الجدلية هذه.
و هو يرفض الدين لأنه غيبيات.
و هو نفسه غارق في الغيبيات إلى أذنيه.
بل إن العلم نفسه الذي يتشدق به و يحتكم إليه غرق في الغيبيات هو الآخر.
العلم يتكلم عن الإلكترون على أنه حقيقة.. و لم يرى أحد الإلكترون.. و لا نعلم عن الإلكترون إلا آثاره.. أما الإلكترون ذاته فهو غيب.
و بالمثل الموجة اللاسلكية لا نعلم عنها إلا آثارها في عمود الإرسال و جهاز الاستقبال.. لم يرى أحد تلك الموجة الأثيرية و لم يعرف أحد كنهها.
بل إن الكهرباء ذاتها هي الأخرى طاقة لا شك فيها و مع ذلك فهي مجهولة الهوية تماما.. و لا نعرف عنها إلا مجموعة آثارها الظاهرة من حرارة إلى ضوء إلى حركة مغناطيسية.
فإذا قلنا لهم إن الله بالمثل عرفناه بآثاره و إن هويته غيب لم يعجبهم كلامنا.
بل إن المفكر المادي يقول في جرأة عجيبة.. (( في البدء كانت المادة ثم تطورت المادة إلى كافة صور الحياة و الفكر )) و كأنه كان موجودا لحظة بداية الخلق متربعا في كرسي بلكون يتفرج على ميلاد الدنيا.
هو يتكلم عن غيب و يبدأ من غيب.. و لا يملك إلا افتراضات و احتمالات و نظريات.. ثم يتهمنا بالغيبية.
و هؤلاء هم دراويش المادية لا وسيلة لإقناعهم، لأنهم لا يريدون اقتناعا.. و إنما هم اختاروا الجمود العقائدي و تشنجوا عليه، و استراحوا إلى ما فيه من تبسيط مخل و تلخيص ساذج للحقائق الكونية..
و ليس أبعث للراحة من اعتقاد الإنسان أنه لا مسئولية هناك، و لا بعث و لا حساب، و أن له أن يفعل ما يشاء لا رقيب عليه و لا حسيب سوى البوليس و المخابرات.
و مثل هذه العقيدة المادية أقرب إلى قلب الشباب المندفع الذي يريد أن ينطلق على هواه بلا علامات مرور، و بلا ضوابط، و بلا مساءلة.
و ليس صحيحا أن الفكر الإلحادي المادي هو الذي أعطانا حياتنا المتقدمة بما فيها من قطارات و عربات و طائرات و صواريخ و راديو و تليفزيون.. فهذه الأشياء هي عطاء العلم.. و العلم تراث متاح للكل.. و لا مذهب له.. يطلبه رجل الدين كما يطلبه رجل الفكر من يمين و يسار.
كان العلم يرفع راياته في مصر الفرعونية الوثنية كما كان يرفع راياته في صدر الإسلام.
العلم تراث بشري لا يستطيع أن يدعي أحد ملكيته و ليس صحيحا أن الدين يناقض العلم.
و ديننا يأمر بالعلم في أول آية من القرآن (( اقرأ )).
أمر صريح بالعلم و التعلم في أول حرف نزلت به تعاليمنا السماوية.
و العلماء عندنا هم ورثة الأنبياء، و هم في القرآن في درجة الملائكة (( شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و أولوا العلم..)) (18 - آل عمران)
و الذي يتصور تناقضا بين الدين و العلم لا يعرف ما الدين و لا ما العلم.. و إنما يريد أن يختلق لنفسه مبررا للرفض. و ما أسهل الرفض.

د\ مصطفى محمود

Wednesday, December 13, 2006

الشيطان يحكم)...راعى شرج الملك)

راعي شرج الملك

من أطرف ما في كتاب الدكتور بول غاليونجي عن طب الفراعنة هذه الفقرة عن الطبيب (( خوي)).
و قد وجد اسمه مدونا على جدران معابد سقارة و أمامه هذه الألقاب: طبيب القصر الملكي، عميد أطباء القصر الملكي.. المسيطر على سم العقرب.. المبجل لدى إله الطب.. المقرب لدى أنونيس.. كبير أطباء الوجهين البحري و القبلي.. راعي الشرج.
كان الطبيب (( خوي)) هو راعي شرج الملك تيتي، و هذا يعني أن البواسير و الناسور مشكلة قديمة قدم التاريخ، و أنها كانت من أمراض الملوك، و أنها كانت من الأهمية لدرجة أن يلقب كبار الأطباء بأن الواحد منهم راعي شرج الملك.
لم أكن وحدي إذن الذي أصرخ من آلام البواسير، فقبل ذلك بثلاثة آلاف سنة كان هناك فرعون عظيم يصرخ مثلي من البواسير اسمه تيتي.
كانت هذه الحقيقة التاريخية فيها بعض السلوى لي.. و الذين جربوا آلام جراحة البواسير يعرفون قيمة لحظة سلوى في زوبعة العذاب التي تثيرها تلك الجراحة.
وضعت الكتاب جانبي على سرير المستشفى و قد أسعدني أن حالي هو حال الملك تيتي.
و أعطيت ذراعي في لهفة إلى الممرضة لتغرس فيه حقنة المورفين و قد تصورت أني الملك تيتي فعلا.
و ماذا تعني ثلاثة آلاف سنة في عمر الأبدية.
إنها لا شيء.. لا أكثر من ثلاث لحظات.. كل ما تغير في الأمر أن الطبيب (( خوي)) هو الآن المبجل سليل الآلهة الدكتور عبدالله صبيح.. و المكان مستشفى الشبراويشي.. و الزمان يناير 69 بعد ساعات من إجراء الجراحة.
و الألم الآن يذكرني بنفسه.
و كل ما فعله المورفين أني أصبحت أحلم بالألم بدلا من معاناته بعينين مفتوحتين.. و قد كان حلما بطول الليل كله.
و في الحلم كنت أرى أني الفرعون تيتي الكافر الذي ألقي في جهنم.
و في نار جهنم اجتمع حولي الزبانية يضعونني على خوازيق من نار..
و السماء فوقي حمراء كنحاس منصهر.
و الزبانية لا يرحمون.
و العذاب سوف يكون بطول الأبد.
و في الحلم نسيت تماما أنها جراحة.
و كان هذا بتأثير المورفين الذي صور لي من الألم المؤقت دراما لا نهائية من العذاب.
و كانت أسعد مفاجأة أن يطلع علي الصبح و يتبخر ضباب المورفين و اكتشف أني أتألم من جراح سوف تشفى.
و حمدت الإله الرحيم.
ما أجمل أن يهبنا الله الزمن الذي لا يدوم فيه شيء.
كل شيء يمضي ثم يصبح ذكرى.
أشد الآلام تتحول إلى مقالة طريفة تروى و أحاديث حول فنجان شاي.
أليست حياتنا معجزة.
و أليست معجزة أكبر أن تشفى و تلتئم جراح مفتوحة في مجرى الشرج تتلوث كل لحظة بما يلفظه الجسم من فضلات.. تشفى و تلتئم تلقائيا بدون بنسلين و بدون صبغة يود.. بالقدرة الإلهية التي وضعها الخالق في الأنسجة.
و من عجب أن الله حشد كل جنده عند مدخل الجسم و عند مخرجه.. عند الفم و الحلق و اللوزتين تشفى الجراح المفتوحة و تلتئم و هي في مجرى اللعاب الملوث و الأنفاس المحملة بالأتربة و الجراثيم.. و تقطع اللوزتان فيلتئم مكانهما بلمسة ساحر.
و عند الشرج حيث تخرج الفضلات تموج بالميكروبات القتالة تلتئم الجراح المفتوحة بقدرة القادر الذي سلحنا بأمضى أسلحته.
و لعل هذا هو السبب في الآلام حول منطقة الشرج حيث وضع الخالق أقوى شبكة من الأعصاب و نشر قنوات و أنهارا من الدم و الليمف و رصد الملايين من الكرات البيض و الخلايا الحارسة التي تلتهم كل ميكروب وافد فلا تبقي عليه.
و بعد هذا يشك شاك في العناية و الرحمة.
و يقول مفكر سطحي مثل سارتر إننا قد ألقي بنا في العالم بدون عون، و قذفنا إلى الوجود لنترك بلا عناية و بلا رعاية.
و لو أن سارتر تعلم الطب كما تعلم الأدب و درس الإنسان كما درس الوجود لعرف حقيقة نفسه و لقال كلاما آخر.
و لهذا تخطر لي أحيانا فكرة إلحاق كلية الآداب بكلية الطب.. فالإنسان و الوجود حقيقة واحدة. و لا يمكن إدراك الأول. دون إدراك الآخر. و ملامح الروح مكتوبة على الخلايا و ليست في كتب أرسطو.
و شفرة العناية الإلهية مكتوبة على أوراق الشجر و على مناقير الحمام و بتلات الورد..
الدودة التي يجعلها الله خضراء بلون الغصن الأخضر ليجعلها أقدر على الاختفاء عن عدوها.. و الفراشة الملونة بلون الوردة.. و السلحفاة الصفراء بلون الصحراء.
بشرة الزنجي التي تتلون في الشمس الاستوائية فتصبح سوداء كمظلة منصوبة عليه طول الوقت لتقيه لفح الشمس.
و البشرة البيضاء البلورية الشفافة لأهل الشمال حيث تختفي الشمس طول الوقت خلف الضباب، و حيث يشح الضوء لدرجة تجعل الجسد في حاجة إلى كل شعاعة عن أي طريق مثل تلك البشرة الشفافة الزجاجية.
أجسام الحيتان التي صاغتها العناية تلك الصياغات الإنسيابية كغواصات.. و كل سمكة و قد منحتها الطبيعة كيسا يفرغ و يمتلئ بالهواء لتطفو و تغوص كما تريد.
أفواه الحشرات و قد شكلتها العناية على ألف صورة و صورة حسب وظائفها.. الحشرة التي تمتص كالذبابة تشكل فمها على صورة خرطوم. و الحشرة التي تلدغ كالبعوضة تشكل فمها على صورة إبرة.. و الحشرة التي تقرص كالصرصور زودتها الطبيعة بمناشير و مبارد.
و الدودة التي تتطفل على الأمعاء زودتها الطبيعة بخطاطيف و كلابات حتى لا تقع في تجويف الأمعاء و تجرفها الفضلات.
و كلما تكاثر الأعداء على مخلوق أكثر الخالق من نسله، فدودة الإسكارس تبيض أكثر من مليون بيضة في الشهر، و تنجب أكثر من مليون دودة.
و في متاهات الصحاري حيث يشح الماء و تندر العيون خلق الله للأشجار بذورا مجنحة لتطير مع الرياح في الجهات الأربع و تحط في ألف شبر و شبر من الأرض، و ترحل مسافات شاسعة و كأنها بعثات استكشاف تذرع الصحاري.
و الخفاش الأعمى الذي لا يطير إلا في الليل زودته الطبيعة بأمواج ألتراسونيك يستكشف بها طريقه.
و الكتكوت الوليد ترشده الغريزة إلى أضعف مكان في البيضة فينقرها ليخرج إلى الوجود.
و الزنبور يعرف مكان المراكز العصبية عند فريسته فيحقنها بالسم و يشلها و كأنه جراح ماهر درس التشريح.
و النمل الذي قادته فطرته إلى اكتشاف الزراعة و تخزين المحصولات قبل أن يكتشفها الإنسان بملايين السنين.
و حشرة الترميت التي عرفت تكييف الهواء في بيوتها قبل أن يعرف الإنسان الأبواب و الشبابيك.
إن كل خطوة تخطوها في الطبيعة حولك تجد فيها أثر الرحمة و العناية و الرعاية.
لم يقذف بنا إلى الدنيا لنعاني بلا معين كما يقول سارتر.
إن كل ذرة في الكون تشير بإصبعها إلى رحمة الرحيم.
حتى الألم لم يخلقه الله لنا عبثا.. و إنما هو مؤشر و بوصلة تشير إلى مكان الداء و تلفت النظر إليه.
ألم الجسد يضع يدك على موضع المرض.
و ألم النفس يدفعك للبحث عن نفسك.
و ألم الروح يلهمك و يفتح آفاقك إلى إدراك شامل، فالدنيا ليست كل شيء، و لا يمكن أن تكون كل شيء و فيها كل هذه الآلام و المظالم. و إنما لابد أن يكون وراءها عالم آخر سماوي ترد فيه الحقوق إلى أصحابها، و يجد كل ظالم عقابه.
و بالألم و مغالبته و الصبر عليه و مجاهدته تنمو الشخصية و تزداد الإرادة صلابة و إصرا، و يصبح الإنسان شيئا آخر غير الحيوان والنبات.
ما أكثر ما تعلمت على سرير المستشفى.
و شكرا لأيام المرض و آلامه.

د\ مصطفى محمود

Sunday, December 10, 2006

الشيطان يحكم)... انت امبراطور)

أنت امبراطور

لا تصدقني إذا قلت لك إنك تعيش حياة أكثر بذخا من حياة كسرى أنو شروان.. و إنك أكثر ترفا من امبراطور فارس. و قيصر الرومان. و فرعون مصر.. و لكنها الحقيقة.
إن أقصى ما استطاع فرعون مصر أن يقتنيه من وسائل النقل كان عربة كارو يجرها حصان..
و أنت عندك عربة خاصة، و تستطيع أن تركب قطارا، و تحجز مقعدا في طائرة!
و إمبراطور فارس كان يضيء قصره بالشموع و قناديل الزيت.. و أنت تضيء بيتك بالكهرباء!
و قيصر الرومان كان يشرب من السقا.. و يحمل إليه الماء في القرب.
و أنت تشرب مياها مرشحة من حنفيات و يجري إليك الماء في أنابيب!
و هارون الرشيد كانت عنده فرقة موسيقية تعزف له في أوقات لهوه و فراغه.
و أنت عندك مفاتيح الراديو توصلك إلى آلاف الفرق الموسيقية، و تحمل إلى أذنك المبهج و المطرب و الممتع من كل صوت و كل فن!
و الإمبراطور غليوم كان عنده أراجوز..
و أنت عندك تليفزيون يسليك بمليون أراجوز.
و عندك السينما سكوب و السيزاما!
و لويس الرابع عشر كان عنده طباخ يقدم أفخر أصناف المطبخ الفرنسي..
و أنت تحت بيتك مطعم فرنسي، و مطعم صيني، و مطعم ألماني، و مطعم ياباني، و محل محشي، و محل كشري، و مسمط، و مصنع مخللات و معلبات، و مربات و حلويات!
و قارون أغنى أغنياء العالم يقول لنا التاريخ إن كل ثروته لم تكن تزيد على مائتين من الجنيهات بالعملة النحاسية.. و هو مبلغ تستطيع أن تكسبه الآن في شهر.
و جواري الخليفة تجدهن الآن معروضات في بيجال بباريس بعشرة فرنكات للواحدة.. شقر و سمر و سود و بيض من كل لون أوكازيون.
و مراوح ريش النعام التي كان يروح بها العبيد على وجه الخليفة في قيظ الصيف و لهيب آب، عندك الآن مكانها مكيفات هواء تحول بيتك إلى جنة بلمسة سحرية لزر كهربائي!
أنت إمبراطور.
و كل هؤلاء الأباطرة جرابيع و هلافيت بالنسبة لك..
و لكن يبدو أننا أباطرة أغبياء جدا.. و لهذا فنحن تعساء جدا برغم النعم التي نمرح فيها.
فمن عنده عربة لا يستمتع بها، و إنما ينظر في حسد لمن عنده عربتان.. و من عنده عربتان يبكي على حاله، لأن جاره يمتلك طائرة.. و من عنده طائرة يكاد يموت من الحقد و الغيرة لأن أوناسيس عنده مطار.. و من عنده زوجة جميلة يتركها و ينظر إلى زوجة جاره..
و في النهاية يسرق بعضنا بعضا، و يقتل بعضنا بعضا حقدا و حسدا.
ثم نلقي بقنبلة ذرية على كل هذا الرخاء.. و نشعل النابالم في بيوتنا.. ثم نصرخ بأنه لا توجد عدالة اجتماعية.. و يحطم الطلبة الجامعات.. و يحطم العمال المصانع..
و الحقد - و ليس العدالة - هو الدافع الحقيقي وراء كل الحروب.
و مهما تحقق الرخاء للأفراد فسوف يقتل بعضهم بعضا، لأن كل واحد لن ينظر إلى ما في يده، و إنما إلى ما في يد غيره، و لن يتساوى الناس أبدا.
فإذا ارتفع راتبك ضعفين فسوف تنظر إلى من ارتفع أجره ثلاثة أضعاف، و سوف تثور و تحتج، و تنفق راتبك في شراء مسدسات.
لقد أصبحنا أباطرة.. هذا صحيح.. و لكننا مازلنا نفكر بغرائز حيوانات.
تقدمنا كمدينة و تأخرنا كحضارة.. ارتقى الإنسان في معيشته.. و تخلف في محبته..
أنت إمبراطور.. هذا صحيح.. و لكنك أتعس إمبراطور..
و سوف تقتل نفسك و تترك بطاقة مضحكة تقول فيها:
انتحرت بسبب الفقر.. لم أستطع أن أعيش إمبراطورا في عالم كله من (( السوبر أباطرة )).

د\مصطفى محمود

Friday, December 08, 2006

الشيطان يحكم)... الواقع الكذاب)

الواقع الكذاب



ما نراه في الواقع ليس دائما هو الحقيقة..

حتى ما نراه رأي العين و نلمسه لمس اليد..

فنحن نرى الشمس بأعيننا تدور كل يوم حول الأرض، و مع ذلك فالحقيقة أن العكس هو الصحيح، و الأرض هي التي تدور حول الشمس.

و نحن نرى القمر في السماء أكبر الكواكب حجما، مع أنه أصغرها حجما.

و نحن نلمس الحديد فنشعر بأنه صلب متدامج، مع أنه في الحقيقة عبارة عن ذرات منثورة في فراغ مخلخل، و بين الذرة و الذرة كما بين نجوم السماء بعدا.. و ما يخيل لنا باللمس أنه صلابة و تدامج هو في الحقيقة قوى الجذب المغناطيسي الكهربائي بين الذرة و الذرة.. نحن نلمس القوانين بأصابعنا و ليس الحديد.

و نحن ننظر إلى السماء على أنها فوق، و الأرض على أنها تحت، مع أنه لا يوجد فوق و لا تحت.. و السماء تحيط بالأرض من كل جوانبها.

و الهرم بالنسبة لنا شيء لا يمكن اختراقه، مع أنه بالنسبة للأشعة الكونية شفاف كلوح الزجاج، ترى من خلاله و تنفذ من خلاله.

و صقيع القطبين الذي نظن أنه غاية في البرودة هو بالنسبة لبرودة أعماق الفضاء جحيم ملتهب.

و في الحقائق الإنسانية تكذب علينا العين و اللسان و الأذن أكثر و أكثر.. فالقبلة التي تصورناها في البداية مشروع حب نكتشف في النهاية أنها كانت مشروع سرقة.

و جريمة القتل التي أحس الجميع بأنها ذروة الكراهية يكتشف الجميع أنها ذروة الحب.

و ما قد يبدو للزوج أنه خيانة من زوجته لفرط إحساسها بجمالها قد يكون الدافع الحقيقي له هو إحساس الزوجة بقبحها و شعورها بالنقص، تحاول الخلاص منه باستدراج إعجاب الرجال، و الانتقال من خيانة إلى أخرى.

و ما تكتب عنه الجرائد بالإجماع على أنه بطولة قد يعلم البطل نفسه أنه كان انتحارا.

و في الحقائق الاجتماعية تتعقد الأمور أكثر، و يغرق الحق في شبكة من التزييف تشترك فيها كل الإرادات، و يصبح الحكم على الأمور بظاهرها سذاجة لا حد لها.

و في الحقائق التاريخية يكتب المؤرخون في كل عصر و من ورائهم السلطة، و تكتب أقلامهم ما يريد الأقوياء أن يقولوا.

و ما أصعب الوصول إلى الحقيقة..

إن الوصول إلى المريخ أسهل من الوصول إلى حقيقة أكيدة عن حياة وردة تتفتح كل يوم عند نافذتك.. بل إن الوصول إلى أبعد نجم في متاهات الفضاء أسهل من الوصول إلى حقيقة ما يهمس في قلب امرأة على بعد شبر منك.

بل إن عقولنا تزين علينا حتى عواطفنا نفسها، فنظن أن حب المجد يدفعنا و الحقيقة أنه الغرور و حب الذات.. و نظن أن العدالة هي التي تدفعنا إلى القسوة في حين أن الذي يدفعنا هو الحسد و الحقد.

من الذي يستطيع أن يقول.. لقد أدركت الحقيقة؟

من الذي يجرؤ أن يدعي أنه عرف نفسه؟

ليس من باب التواضع أن نقول.. الله أعلم.

و إنما هي الحقيقة الوحيدة الأكيدة في الدنيا.. إننا نجهل كل الجهل حتى ما يجري تحت أسماعنا و أبصارنا.

و برغم جهلنا يتعصب كل فريق لرأي.. و قد تصور كل واحد أنه امتلك الحق، فراح ينصب المشانق و المحارق للآخرين.

و لو أدركنا جهلنا و قدرنا لانفتح باب الرحمة و الحب في قلوبنا، و لأصبحت الحياة على الأرض جديرة بأن نحياها.

متى نعرف أنا لا نعرف؟!


د\ مصطفى محمود

Wednesday, December 06, 2006

الشيطان يحكم)...مخير ام مسير)

مخير أم مسير


يسألني القراء دائما في استغراب.. كيف وصلت إلى قرارك الذي تردده في كل كتبك و مقالاتك بأن الإنسان مخير لا مسير.

كيف يكون الإنسان مخيرا و هو محكوم عليه بالميلاد و الموت و الاسم و الأسرة و البيئة، و لا حول له و لا قوة، و لا اختيار في هذه الأشياء التي تشكل له شخصيته و تصرفاته.

و القراء يقعون في خطأ أولي منذ البداية حينما يقيمون علاقة حتمية بين البيئة و السلوك.. و بين الأسرة و تقاليدها و بين الشخصية، و هو تفكير خاطئ، فلا توجد حتمية في الأمور الإنسانية.. و إنما يوجد - على الأكثر - ترجيح و احتمال و هذا هو الفرق بين الإنسان و الجماد و هذا هو الفرق بين الإنسان و برادة الحديد.

برادة الحديد تطاوع خطوط المجال المغناطيسي في حتمية و جبرية و تراص في خطوط المجال حتما حينما نرشها حول المغناطيس.

أما الإنسان فإن علاقته بظروفه لا تزيد على كونها احتمالا أو ترجيحا.

الابن الذي ينشأ في عائلة محافظة محتمل أن ينشأ محافظا هو الآخر مجرد احتمال.. و كثيرا ما يحدث العكس، فنرى هذا الابن و قد انقلب متمردا ثائرا على التقاليد، محطما لها..

و هذا هو الفرق بين المسائل الآلية الميكانيكية و المسائل الإنسانية.. و نفس الكلام يقال في البيئة..

البيئة تشكل الإنسان.. و لكن الإنسان أيضا يشكل البيئة.

و نظرة سريعة في المجتمع العصري حولنا سوف ترينا كيف أخضع الإنسان مشاكل الحر و البرد و المسافات بعقله و علمه و استطاع أن يسودها فهو يكيف الهواء بالمكيفات، و هو يهزم المسافات بالمواصلات السريعة و البرق و الهاتف.

الإنسان ليس كتلة هلامية سلبية تشكلها حتميات البيئة.. و لكنه إرادة صلبة في ذاتها لها حريتها في توجيه الأحداث.

و هذا هو الإنسان الذي ولد طفلا تحكمه أسرته و بيئته و مقتضيات اسمه و تقاليده.. ها هو ذا يهاجر و يغير اسمه و بيئته و أسرته و ينتقل إلى مجتمع جديد فيصنع انقلابا في هذا المجتمع الجديد و يغيره من أساسه.

و ها هو ذا يموت فيترك كتابا.. فإذا بالكتاب يغير التاريخ.

و صحيح أن الإنسان قليل الحيلة في الطريقة التي يولد بها و في الطريقة التي يموت بها.. و لكنه بين ميلاده و موته يصنع حضارة.. أعطاه الله القدرة على أن يبني و يهدم و يحرر و يتحرر و يفكر و يبتكر و يخترع و يفجر و يعمر و يدمر.. و سلمه مقاليد الخير و الشر و حرية الاختيار.

و حواجز البيئة و ضغوط الظروف لا تقوم دليلا على عدم الحرية بل هي على العكس دليل على وجود هذه الحرية.. فلا معنى للحرية في عالم بلا عقبات.. و في مثل هذا العالم الذي بلا عقبات لا يسمى الإنسان حرا، إذ لا توجد لرغباته مقاومات يشعر بحريته من خلال التغلب عليها.

و الحرية لا تعبر عن نفسها إلا من خلال العقبات التي تتغلب عليها.. فهي تكشف عن نفسها بصورة جدلية من خلال الفعل و مقاومة الفعل.

و لهذا كانت الضغوط و العوائق و العقبات من أدلة الحرية و ليس العكس.

و الفيلسوف الغزالي يحل المشكلة بأن يقول إن الله حر مخير مطلق التخيير و المادة الجامدة مسيرة منتهى التسيير.. و الإنسان في منزلة بين المنزلتين.. أي أنه مخير مسير في ذات الوقت.. مخير بمقدار مسير بمقدار.

و توضيحا لكلامه أقول إن الإنسان حر مطلق الحرية في منطقة ضميره.. في منطقة السريرة و النية.. فأنت تستطيع أن تجبر خادمك على أن يهتف باسمك أو يقبل يدك، و لكنك لا تستطيع أن تجبره على أن يحبك.. فمنطقة الحب و الكراهية و هي منطقة السريرة منطقة حرة حررها الله من كل القيود و رفع عنها الحصار و وضع جنده خارجها..

لا يدخل الشيطان قلبك إلا إذا دعوته أنت و فتحت له الباب.

و قد أراد الله هذه النية حرة لأنها مناط المسئولية و المحاسبة.

أما منطقة الفعل فهي المنطقة التي يتم فيها التدخل الإلهي عن طريق الظروف و الأسباب و الملابسات ليجعل الله أمرا ما ميسرا أو معسرا حسب نية صاحبه.

(( فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) )) (الليل)

يمهد الله أسباب الشر للأشرار.. و يمهد أسباب الخير للأخيار.. ليخرج كل منا ما يكتمه و يفصح عن سريرته و نيته و يتلبس بفعله.

و بهذا لا يكون التسيير الإلهي منافيا أو مناقضا للتخيير، فالله يستدرج الإنسان بالأسباب حتى يخرج ما يكتمه و يفصح عن نيته و دخيلته و يتلبس باختياره.

الله بإرادته يفضح إرادتنا و اختيارنا و يكشفنا أمام أنفسنا.

و من ثم يكون الإنسان في كتاب الله مخيرا مسيرا في ذات الوقت.. دون تناقض.. فالله يريد لنا و يقدر لنا حتى نكتب على أنفسنا ما نريده لأنفسنا و ما نخفيه في قلوبنا و ما نختاره في أعمق الأعماق دون جبر أو إكراه، و إنما استدراجا من خلال الأسباب و الظروف و الملابسات.

و في إمكان الواحد منا أن يبلغ ذروة الحرية بأن تكون إرادته هي إرادة الله و اختياره هو اختيار الله و عمله هو أمر الله و شريعته.. بأن يكون العبد الرباني الذي حياته هي الناموس الإلهي، فيعبد الله حبا و اختيارا لا تكليفا.. إنه الحب الذي قال عنه المسيح:

(( لو كان في قلبك ذرة ايمان و قلت للجبل انتقل من مكانك لانتقل من مكانه)).

كما يحدث أن نعطي من ذات نفوسنا لمن نحب كذلك يعطي الله من ذاته لأحبابه، فيحقق لهم ما يشاءون فيكونون الأحرار حقا.



د\ مصطفى محمود

Monday, December 04, 2006

الشيطان يحكم)...هل كانت مصادفة)

هل كانت مصادفة



يحلو دائما للمفكر المادي أن يقول أن الإنسان خلق مصادفة.. من أخلاط المواد المتخمرة في طين المستنقعات منذ خمسة آلاف مليون سنة حدث بالمصادفة تفاعل أدى إلى نشأة الخلية.. و هو لا يقول لنا كيف حدث هذا التفاعل، و لا كيف حولت المصادفة الطين إلى خلية حية.. و إنما هو يقول إن هذا الأمر لابد قد حدث، و إننا لا يجب أن ندهش، فالخمسة آلاف مليون سنة زمن طويل جدا.. و لو أن قردا جلس يدق على آلة كاتبة و يلهو بأصابعه مدى خمسة آلاف مليون سنة من الزمان فإنه لابد سيحدث بالمصادفة أن يكتب بيتا لشكسبير.

حسنا.. صدقنا و آمنا أنه بمصادفة فردية لا إحكام فيها و لا تدبير تحول الطين إلى خلية حية.. و ماذا بعد؟..

إن المفكر المادي يعود فيهرش مخه ليقول إنه بمصادفة أخرى تطور الكائن الوحيد الخلية إلى كائن متعدد الخلايا.

ثم يعود فيهرش رأسه ليقول إنه بخبطة عشوائية ثالثة تفرع طريق الحياة إلى سكتين.. سكة الحياة النباتية التي اختارت النمو الثابت في الأرض.. و سكة الحياة الحيوانية التي اختارت الحركة و راحت تقتحم البر و البحر و الجو بنسلها المغامر الطموح.

ثم يعود فيهرش قفاه و يخرج بمجموعة مصادفات أخرى ليحول بها الكلاب إلى حمير، إلى خيول، إلى زراف إلى نسانيس، إلى قرود.

و هي مصادفات يخجل مؤلف سينمائي درجة ثالثة يكتب و هو مخمور فيلما لبنانيا ساقطا - أن يكتبها في روايته.

و لكن المفكر المادي الذي لا يؤمن بالخجل، و الذي يعتقد أنه حفيد بالمصادفة لجد حمار يعود فيخلق سيلا من المصادفات يحول بها الشمبانزي إلى غوريلا، و الغوريلا إلى إنسان.. ثم يفرك يديه و يتنفس الصعداء فقد انتهى من المشكلة و أثبت أن الإنسان خلق بالمصادفة و يموت بالمصادفة.

و لا أفهم لماذا لا يتركنا المفكرون الماديون نعيش اعتباطا و على مزاجنا مادمنا قد جئنا بالمصادفة و نموت بالمصادفة و مادامت الحياة من بدئها إلى نهايتها خبط عشواء في خبط عشواء.. و ليس بعدها إلا التراب.

لماذ يثيرون هذه الحروب الدموية و يضربون الناس بعضهم ببعض في معركة مذاهب لا نهاية لها؟

لماذا هذا العنف و القهر و الجبر و السحق؟

و من أجل ماذا و لا حق هناك.. إنما هي مهزلة من المصادفات جاءت بنا إلى الدنيا بدون حكمة ثم هي تقضي علينا بدون معنى.. ثم يكون الصمت و التراب و العدم بلا بعث و بلا حساب.. هكذا يقولون.. و هكذا يعتقدون.. فلماذا هذا الجنون و لماذا قتل الناس و ذبح الناس.. إذا كانت هكذا عقيدتهم؟

و لن أناقش حكاية المصادفات الساذجة، فهي لا تحتاج إلى مناقشة.

و يكفي أن ننظر إلى جناح فراش بنسجه و ألوانه و نقوشه لنعرف أننا أمام فنان مبدع و ريشة ملهمة لم تترك بقعة واحدة و لا خطا واحد للمصادفة.. و إنما هي سيمفونية رائعة من الخطوط و الألوان.

بعوضة تافهة تضع بيضها على الماء فنكتشف حينما ننظر أن كل بيضة لها كيسان للطفو..

من علم البعوضة قوانين أرشميدس لتصنع هذه الأكياس الهوائية لتعويم بيضها على الماء؟

أشجار الصحارى و هي تنثر بذورها.. فإذا لكل بذرة أجنحة..

من علم الأشجار قوانين الحمل الهوائي؟

و كيف أدركت تلك الأشجار التي بلا عقل أن على بذورها أن تقطع مئات و آلاف الأميال في الصحارى بحثا عن ماء فزودتها بهذه الأجنحة؟

من علم الكتكوت أن يدق بمنقاره على أضعف مكان في البيضة ليخرج؟

من علم الحشرات فنون التنكر فراحت تتلون بألوان بيئاتها لتختفي عن الأنظار؟

من علم النحل قوانين العمارة لتبني هذه البيوت السداسية الدقيقة الجميلة من الشمع بدون آلات حاسبة و بدون مسطرة؟

من يهدي الطيور في رحلة الهجرة السنوية من نصف الكرة الأرضية إلى نصفها الآخر بدون بوصلة و بدون رادار.. عائدة إلى أوكارها؟

و مثلها الأسماك التي تهاجر عبر المحيطات و البحار لتضع بيضها.

لماذا لا نعترف ببساطة و بدون مكابرة أن هناك خالقا. و أنه هو الذي هدى رحلة التطور من الخلية إلى الإنسان. و أنه خلق كل شيء لحكمة و خلق الإنسان لهدف!

لماذا لا نعود إلى البداهة و الفطرة السوية السليمة التي ترى الإبداع في كل شيء من الذرة إلى ورق الشجر إلى جناح الفراش، إلى الشموس و المجرات في السماء.. فنصل إلى النتيجة البسيطة.. إن مثل هذا الإبداع و مثل هذا الخلق لا يمكن أن يكون سدى.. و الإنسان لا يمكن أن يخلق عبثا ليموت عبثا.. و إنما للقصة بقية.. و للموت ما بعده..

أم أن الجد الحمار قد خلف آثاره التي لا علاج لها في أحفاده المفكرين الماديين الذين يقتتلون على الهباء و يدورون في الخواء.


د\ مصطفى محمود

Saturday, December 02, 2006

الشيطان يحكم)...كيف تكسب الف جنيه فورا)

كيف تكسب ألف جنيه فورا




اطمئن..

لن أقول لك اقطع الكوبون في أسفل الصفحة و أرسله مع اسمك و عنوانك مع الأجوبة على الاستفتاء كذا.. و لن أحول الموضوع إلى مسابقة تنفق عليها(( سيجال)) أو إعلان توزع جوائزه (( رابسو)).

إنما الموضوع جد.

و سوف أفكر معك بجد. و لنبدأ من أمثلة بسيطة.

و في مثل هذا البرد الشديد لا بد أنك فكرت كيف تتدفأ.

و كذلك فكر الإنسان البدائي عندما داهمته أول موجة برد.. و أعمل ذهنه.. و ظل يخبط جبهته بيده و يخبط حجرا بحجر و هو شارد.. و اندلعت أول شرارة مصادفة من صك الحجر بالحجر.. و حملق الإنسان المذهول في هذه الظاهرة العجيبة.

و لا شك أنه قد اتخذها بعد ذلك لعبة.. حتى أمسكت الشرارة ذات مساء بعود قش جاف و أضرمته نارا.
و تعلم الإنسان منذ ذلك اليوم كيف يحتطب و يجمع الأخشاب، و يشعل النار و يرقص حولها، و يطهو طعامه و يتدفأ.

ثم اكتشف الفحم.

ثم اكتشف البترول.

ثم اكتشف الغاز الطبيعي القابل للاشتعال.

ثم اكتشف الكهرباء.

ثم اكتشف جهاز التكييف.

و كانت أول ثروة طبيعية للإنسان هي يديه و حيلته.

و عن طريق يديه صنع الأدوات.

و بهذه الأدوات قطع الأشجار و حفر الأرض لاستخراج الفحم.

و كان هناك رجل أكثر ذكاء اكتفى بالجلوس بعيدا لا يعمل يديه في شيء و إنما يأخذ مما جمعه العامل ليبيعه.

ثم ظهر أناس أكثر ذكاء لا يعملون أي شيء سوى أن يقوموا بالوساطة بين الأيدي التي تأخذ و تعطي، و يقبضون في مقابل هذه العملية سمسرة تفوق ما يربحه العامل و البائع.

ثم تعقدت أدوات الإنتاج لتتحول إلى مصانع.

و أصبح المصنع هو قلعة الحاوي التي يوضع تحتها التراب فيخرج منها حديدا و أسياخا و صفائح صلب و سيارات و أجهزة تكييف.. مع ربح هائل يدخل معظمه في جيب صاحب المصنع.

ثم ظهرت مؤسسات بهلوانية اسمها الشركات وظيفتها الإعلان و التسويق و الترويج و البيع و التجارة في تلك المنتجات.. تقوم بالوساطة بين المصنع و بين المشتري و تكسب من الإثنين أكثر مما يكسبه الصانع و صاحب المصنع.

و لأن المال السائل في قدرته أن يشتري المصنع و يؤسس الشركة فقد أصبح رأس المال بذاته قادرا على التوالد و التكاثر بدون أن يعمل صاحبه في شيء.. فقط ما عليه إلا أن يودعه في بنك فيلد له نسبة مئوية كل سنة.. فإذا أقام به مصنعا أو أسس به شركة فسوف يحصل على نسبة أكبر من الربح.. و إذا وقف يقامر به في البورصة على اضطراب الأسعار نزولا و صعودا مع اختلاف إلى العرض و الطلب و مع أزمات السياسة و حمى الفقر و الغنى التي تتداول الناس و الشعوب فسوف يكسب أكثرمن الكل لأنه سوف يتاجر في الفلوس ذاتها، و سوف يتاجر في التجارة و في سعر الذهب و الورق الذي لا يستقر على حال.

و الأغنياء و الأذكياء الجدد الذين اشتروا بأموالهم كل شيء مما كانوا يحلمون به من أرض و دور و قصور و متاع لم يقفوا عند حد، لأن ثرواتهم لم تكن تقف عند حد، فبدأوا يشترون الذمم ثم يشترون الأحزاب و الحكومات ثم يحركون السلطة لصالحهم فيدفعونها إلى تجييش الجيوش و غزو البلاد المتخلفة و استعمارها لتكون أسواقا جديدة، و مصادر جديدة للثروة و القوة.

و آخر صورة محزنة من هذا الذكاء البشري هو ما نراه الآن، فالأقوياء الأغنياء لم يعودوا يفكرون حتى في أن يحاربوا.. و إنما اكتفت الدول الكبرى بأن تصنع السلاح ثم تبيعه للأمم الفقيرة الصغيرة لتقتل به بعضها بعضا.. و تطوع الأذكياء بإشعال الفتن في هذه الدول الصغيرة البائسة. كلما نامت الخلافات أوقدوا نارها.. بين الهندوس و المسلمين في الهند، و بين المسلمين و المسيحيين في نيجيريا، و بين الكاثوليك و البروتستانت في ايرلندا، لتظل الحرب مشتعلة تأكل السلاح و تبقي على الصغار صغارا و تجعل الكبار أكبر و الأغنياء أغنى.

و برغم دعاوي الاشتراكية ظل القانون القديم سائدا.. إن من عنده يربح فيزداد.. و من ليس عنده يخسر أكثر فأكثر.. الكبير يزداد كبرا و الصغير يزداد صغرا.

و العلم بتطوره السريع يهدد المتخلفين الذين يزدادون تخلفا في معاركهم مع الكبار.. يهددهم بأن يتحولوا إلى قرود، بالنسبة إلى الأدوات العلمية التي تتطور في أيدي الكبار فتحولهم إلى عمالقة و أنصاف أرباب.

و الدول الكبرى لم تعد تتصرف بحكم المبادئ و الأيديولوجيات.. و إنما أصبحت تتصرف بحكم كونها كبرى و يجب أن تظل كبرى و تصير أكبر في مواجهة دول أخرى(( كبرى)) تحاول أن تكون أكبر و في حلبة الصراع بين الكبار.. تدوس الأقدام الصغار.. و تدوس مصالحهم، و تدوس حياتهم.

هل فهمت شيئا من هذه القصة.

لقد فهمت شيئا من السياسة.

و فهمت أن الإنسان كان يكسب دائما باستخدام يديه و عقله و حيلته. و أن هناك طريقتين للكسب، أن تكسب بالحيلة الشريفة عن طريق عمل يديك و عمل عقلك، و أن تكسب بالحيلة الخبيثة عن طريق أيدي الآخرين و عقولهم، و أن في الإمكان أن تكسب ألف جنيه بشرف.. و ذلك بأن تقدم عملا أو كشفا أو اختراعا أو إمتاعا أو نفعا للناس يساوي تلك القيمة.. و لا عذر لك.. و لا يصح لك أن تتعلل بأن حظك من العلم قليل. فقد بدأ أديسون المخترع العظيم حياته صبيا يبيع الجرائد، ثم اخترع لنا المصباح الكهربائي و الجراموفون.. كما بدأ عالم الكهرباء العظيم مايكل فاراداي حياته صبيا يعمل في محل تجليد كتب، ثم اكتشف قوانين الكهرباء التي اخترعت على أساسها جميع أجهزة اللاسلكي فيما بعد.

و اللاعب البرايزيلي بيليه جمع ثروة هائلة من مجرد إتقان الجري.. و أي اجتهاد في أي شيء و لو كان اجتهادا في اللعب.. لابد أن يؤتي ثمرته.

اعمل بجد في أي شيء.

و إذا لعبت فالعب بجد.

و ابدأ فورا من الآن.

لا تبرر كسلك بأن العلم في المدارس و الجامعات و أنت محروم من المدارس و الجامعات.. فالعلم في الكتب و المكتبات.. و هو متاح على الأرصفة أرخص من علب السجائر.

و هو في دور الكتب مجانا.

و القدرة على الابتكار موهبة أودعها الله في كل عقل.. كل ما عليك أن تبدأ.

غادر مقعدك المألوف على المقهى فورا.. و اكدح بذهنك و يديك في شيء.. و لا تظن أن (( الألف جنيه)) قد وقعت على رأس أي واحد بمجرد التمني و بدون أن يجتهد في كسبها.

و تأكد أن تسخيرك لذكائك أسهل من تسخيرك للجن.

و ثق بأن مفعول ذكائك أقوى من مفعول السحر.

و إذا شككت في كلامي فاقرأ المقال من جديد لتعلم كيف قامت دول كبرى.. و كيف صنع المصنع ما لا تصنعه قبعة الحاوي.. و كيف صعد الإنسان للقمر دون بساط سليمان.. و كيف أنك مهدد بأن تتحول إلى قرد إذا ظللت جالسا في جلستك اليومية على المقهى لا تجهد ذهنك في شيء.. و العالم من حولك في سباق علمي رهيب يفض أسرار الذرة، و يسخر القوى النووية في صناعة الأعاجيب.. فيزداد الأقوياء قوة، و يزداد الضعفاء ضعفا.. إلى أن يصبح المتخلفون في مكانة القرود أو أقل من القرود.

هل تشعر بأني خدعتك.

بل لو كنت قلت غير هذا لكنت خدعتك.

صدقني..


د\ مصطفى محمود

الشيطان يحكم)... العيال الذين ظنوا انفسهم كبار)

العيال الذين ظنوا أنفسهم كبارا


أحيانا تراودني الرغبة في البكاء مثل طفل صغير يتيم تاهت عنه أمه في الزحام. و أشعر في تلك اللحظات أننا جميعا أطفال لا فرق كبير يذكر بيننا و بين أطفالنا في علمنا و معارفنا و أخلاقنا.

يخيل إلينا أننا اخترقنا السماوات بعلومنا. و لو فكرنا قليلا لوجدنا أننا مازلنا في حروف أ . ب . ت . ث .. و أننا كأولادنا على عتبة واحدة من الحيرة و التساؤل و الجهل.

يقول لك طفلك و هو يشاور على القمر: من أين جاءوا بهذا القمر يا أبي؟

و تجاوب عليه بكلام كثير. و تتلو عليه نظريات و افتراضات خلاصتها أنه لا أحد يعرف الحقيقة. و لا حتى أينشتين نفسه.
و يسألك طفلك عن جده الذي مات أين ذهب منذ موته.
و عن اخيه الذي ولد أين كان قبل مولده.
فلا تعرف جوابا.

فلا أحد يعرف ماذا قبل الميلاد و لا ماذا بعد الموت. و لا من أين. و لا إلى أين.
و يشاور لك على الكهرباء و يقول ما هذا؟ فتقول الكهرباء.
و يسأل ما هي الكهرباء فلا تجد جوابا.
و يسأل من أين أتت الكهرباء.
فتحكي له حكاية طويلة عن ماكينات النور و وابور النور. و أنت لا تدري ما النور. و لو سألت علماء الطبيعة كلهم ما وجدت فيهم واحدا يستطيع أن يدلك على ماهية النور و كنهه، و لا حتى نيوتن، و لا أفوجادرو، و لا فاراداي.

و ما أجهلنا على الدوام.

ابتكرنا علم النفس و كتبنا فيه المراجع و نحن لا ندري ما هي النفس.

و اخترعنا الساعات لنقيس الزمن و نحن لا نعرف ما هو الزمن.

و سكنا الأرض منذ ملايين السنيين و مازلنا لا نعرف عنها إلا قشرتها.

و يجتمع شهود الحادثة الواحدة فيختلفون في روايتها و يحكيها كل واحد بصورة. و هذا شأن الحادثة التي لم تمر عليها ساعة فما بال التاريخ الذي مر عليه ألوف السنين و كتبت فيه المجلدات، و كلها تخييل.

و ما أبعدنا دائما عن الحقيقة.

و ما أقل ما نعلم.

و ما أقرب الفارق بيننا و بين أطفالنا في علمنا و معارفنا.

بل ما أقرب الفارق بيننا و بين أطفالنا في أخلاقنا - نحن الأوصياء و المربيين و كل منا يحتضن أملاكه كما يحتضن الطفل لعبته و لا يطيق أن تمسها يد منتفع.

و فينا البخيل و الشره، و الأكول و الطماع، و من يسيل لعابه على المليم.

و الطفل يخطف و الكبير يسرق.

و الطفل يضرب و الكبير يقتل.

و الطفل يمد يده بالإيذاء و الكبير يمد عصاه و سكينه.

و الطفل يرمي بحصاة و الكبير العظيم يرمي بقنبلة ذرية.

ألا يحق لي بعد ذلك أن أبكي على هذا العالم من العيال الذين ظنوا أنفسهم كبارا؟!

د\ مصطفى محمود